السبت 8 مارس 2025 - 10:21
يجب أن تكون جميع أبعاد الدين حاكمة في المجتمع الإسلامي

الحوزة/ قال حجّة الإسلام و المسلمين لكزائي: في المجتمع الإسلامي يجب أن تكون جميع أبعاد الدين سائدة، و يجب أن تسلّط الأخلاق الإسلامية على نفس الإنسان، كما يجب أن تكون المعتقدات الإيمانية متجذّرة في المعارف الأصيلة للإسلام.

بحسب ما أفاد به مراسل وكالة الحوزة، تحدث حجّة الإسلام و المسلمين نجف لكزائي، عضو هيئة التدريس في جامعة باقر العلوم (عليه السلام)، في سلسلة الجلسات القرآنية التي ينظمها معهد علوم وثقافة إسلامية التابع لمكتب التبليغات الإسلامية في حوزة قم العلمية، حيث تناول موضوع "دلالات حكم السورة المائدة"، و فيما يلي نصّ حديثه:

للوصول إلى فهم نظرية المجتمع في الإسلام، يجب أولاً أن ندرك مكانتها في الحياة الاجتماعية للمسلمين، و إذا كنا غير مبالين بمسألة المجتمع، فإن مفاهيم مثل التعاون لن تجد معناها في إطارها الإسلامي.

يُفهم التعاون على أساس البر و التقوى بشكل صحيح عندما نكون على دراية بمبادئ نظرية المجتمع في الإسلام. كما أن موضوعات مثل الوفاء بالعهد و الميثاق التي وردت في بداية سورة المائدة، لا تأخذ مكانتها الحقيقية إلا عندما يتم دراستها في ضوء نظرية المجتمع في الإسلام، حيث أن هناك قضايا مثل الدولة و الحكم التي تعتمد بشكل مباشر على هذه النظرية؛ لأن نظرية المجتمع في الإسلام تشكل الأساس للبحث في القضايا الاجتماعية الكبرى و الحكم.

تم طرح هذه المسألة استنادًا إلى آراء العلامة الطباطبائي، و تناولنا النقاط التي ذكرها في تفسير الآية ۲۰۰ من سورة آل عمران، حيث تحتوي مؤلفاته على نقاط هامة في مجال نظرية المجتمع في الإسلام. و اختيار طريقة العلامة كان عن قصد، لأن في السنوات الأخيرة حاول بعض الأشخاص أن يظهروا صورة مشوشة و غير صحيحة عن العلامة بالاعتماد على الذكريات الشفوية و غير الوثائقية، في حين أن المناقشات المقدمة هنا تستند بالكامل إلى نصوص المؤلفات الأصلية للعلامة، و قد قدمنا النص العربي للحفاظ على الأصالة و لتجنب أي تحريف أو إساءة تأويل. بالطبع، إذا تمت إضافة أي ملاحظة شخصية، فقد أشرنا إلى أنها وجهة نظرنا الخاصة و ليس رأي العلامة.

في سياق النقاش، طرحنا السؤال التالي: هل نظرية المجتمع في الإسلام مجرد مثالية؟ هل هي قابلة للتطبيق والواقع في العالم الحقيقي؟ و كان جواب العلامة الطباطبائي لمن يدّعون أن نظرية المجتمع في الإسلام غير قابلة للتطبيق واضحًا. إنهم يبررون قولهم بأن المجتمع الإسلامي لم يستمر طويلاً في صدر الإسلام، حيث خلفته الفتن، و الدكتاتوريات، و الحكومات الاستبدادية و الطاغوتية، و من ثم فإن هذه النظرية غير عملية. ولكن العلامة يجيب بحزم و يؤكد أن الانحراف في الفكر لا يعني بطلان هذا الفكر نفسه.

لتوضيح هذه المسألة، يمكن تقديم مثال (و رغم أنه ليس من العلامة، بل من السيد قرائتي): إذا صنع شخص ورقة نقدية مزورة، فإن وجود الأوراق المزورة لا يعني أن الورقة النقدية الأصلية فاقدة للقيمة أو غير حقيقية. بل إن وجود الورقة المزورة يدل على أن هناك نسخة أصلية حقيقية، لأن المزور كان يقصد صنع نسخة مشابهة للنسخة الأصلية ليخدع الناس. و لهذا السبب لا يزور أحد ورقة نقدية بدون قيمة مثل الـ ۳۰۰ ألف تومان، لأن مثل هذه الورقة ليست موجودة في الواقع. تزوير الورقة النقدية له معنى فقط عندما تكون النسخة الأصلية موجودة.

لذلك، فإن الانحرافات التي حدثت على مر التاريخ في تطبيق نظرية المجتمع في الإسلام لا يمكن أبداً أن تشكك في صحة هذه النظرية. و في سياق المناقشة، وصلنا إلى موضوعات أعمق تتعلق بتحليل الحق و الشهوة.

في هذا الجزء، ناقش العلامة الطباطبائي نظرية المجتمع في الإسلام و أوضح أن أحد نتائج هذه النظرية هو تشكيل مجتمع إسلامي أو مجتمع يقوم على معايير إسلامية. وأكد أن الإسلام قائم على الحق، في حين أن الحضارة الغربية تعتمد على اتباع الأغلبية؛ أي أن الحق و العدالة لا يحتلان مكانة محورية في الفكر الغربي.

العبارة التي يذكرها العلامة هي: إن الاجتماع الإسلامي شعاره الوحيد اتباع الحق، مما يعني أن المجتمع الإسلامي يقوم فقط على محور اتباع الحق. بينما في المقابل، شعار الحضارة الغربية هو: اتباع ما يراه ويريده الأكثرية، أي اتباع ما تقوله الأغلبية، حتى لو كان باطلاً. في هذا المنظور، لا توجد محورية للحق و الباطل، بل يتم اعتبار ما تقبله الأغلبية كحق. لكن في الفكر الإسلامي، يُرفض هذا الموقف.

هذا الاختلاف في شعارات النظامين الاجتماعيين يؤدي إلى اختلاف كبير في أهدافهما. بمعنى آخر، فإن تعريف السعادة و التطور و التقدم في هذه النظرتين مختلف تمامًا. في النموذج الإسلامي، يُعتبر التقدم هو السعادة الحقيقية للإنسان، و هي السعادة العقلية، بينما في الحضارة الغربية الحديثة، يُنظر إلى السعادة المادية و الحسية أو الظاهرية.

المجتمع الإسلامي يهدف إلى تحقيق السعادة العقلية الحقيقية.

من جهة أخرى، يهدف المجتمع الإسلامي إلى تحقيق السعادة العقلية الحقيقية التي تتحقق من خلال الاعتدال في القوى البشرية المختلفة. وفقًا لرؤية العلامة، فإن الإنسان يمتلك قوى متعددة مثل العقل، و الشهوة، و الغضب، و الخيال. السعادة الحقيقية تتحقق عندما يكون العقل هو المسيطر على باقي القوى و يُوازن بينها. على سبيل المثال، إذا كان العقل هو المسيطر على الشهوة، فإن الشهوة ستتوازن و تؤدي إلى العفة. و إذا كان العقل يسيطر على الغضب، فإن الغضب سيتوازن و يؤدي إلى الشجاعة. و كذلك سيؤدي تسلط العقل على الخيال إلى تطوير الحكمة و البصيرة.

في هذا النظام، يستخدم الإنسان هذه القوى بقدر لا يُغلق فيه طريق المعرفة بالله و عبادته. السعادة الإنسانية تتوقف على سعادة هذه القوى جميعها. عندما يكون العقل هو المسيطر و تكون التنمية العقلية هي المحور، فإن الدنيا ستكون مزدهرة، و كذلك الآخرة. لأن جميع القوى تُستثمر بشكل صحيح؛ من استخدام القوة الشهوانية في إطار العفة، إلى الاستفادة من القوة الغضبية في الدفاع عن المظلومين، و استخدام الخيال لتجنب خداع الشياطين.

و بالتالي، فإن هذا الفكر الشمولي الإسلامي لا يمنع الغش أو الظلم فحسب، بل يحمي الإنسان من الوقوع في فخ الشيطان أو الطواغيت، و يسهل له طريق الكمال الإنساني.

في هذا المنظور، يصل الإنسان إلى الراحة الحقيقية عندما تسود التربية الإسلامية الأصيلة على حياته. و أشار العلامة الطباطبائي إلى هذه النقطة في عام ۱۳۳۵ هجريًا، موضحًا أنه بسبب اختلال التربية الإسلامية في المجتمع، قد لا نفهم هذه المفاهيم كما ينبغي اليوم. في تلك الفترة، كانت التربية تحت هيمنة النظام الطاغوتي، و اليوم رغم التغيرات، ما زلنا نواجه تحديات مثل تأثير الشبكات الاجتماعية، الحرب الثقافية الناعمة، و الهجوم الفكري الذي جعل التربية الإسلامية مضطربة.

وأكدوا أن الإسلام وضع قوانينه استنادًا إلى العقل الذي خُلق بالفطرة لاتباع الحق. و هذا يعني أن جميع الأحكام الإلهية و الأخلاقية جاءت لمساعدة العقل على قيادة القوى الشهوانية و الغضبية و منع فسادها؛ و بالتالي، فإن العقل السليم هو محور التعليمات الإلهية، و هذه الأحكام تضمن سلوك و خلق و اعتقاد المسلم الذي مر بتربية صحيحة.

في المجتمع الإسلامي، يجب أن تكون جميع أبعاد الدين سائدة

في المجتمع الإسلامي، ليست القوانين الفقهية كافية فقط؛ بل يجب أن تكون جميع أبعاد الدين حاكمة. يجب أن تُطبق الأعمال وفقًا للفقه، كما يجب أن تسود الأخلاق الإسلامية على النفس البشرية و يجب أن تكون المعتقدات قائمة على المعارف الأصيلة للإسلام. لكن الفرق الأساسي بين المجتمع الإسلامي و المجتمعات الغربية هو أن الغرب يركز فقط على القانون ولا يعطي أهمية كبيرة للأخلاق أو المعتقدات. بالمقابل، في الإسلام، يتعامل مع الأخلاق و المعتقدات كضمان لتنفيذ الأحكام.

و مع ذلك، من المهم أن نذكر أنه إذا لم يتم تحقيق التربية الصحيحة في المجتمع الإسلامي، فإن العديد من الأشخاص سيعملون وفقًا لغرائزهم، و يتجنبون القيود. الغريزة البشرية تطلب الراحة بدون قيود، ولا تتوافق مع القيود التي يضعها العقل السليم للسيطرة على الشهوة و الغضب. ولكن إذا تطور العقل و كانت القوى البشرية تحت سيطرته، حتى و إن كانت الخيارات صعبة، ستكون في الاتجاه الصحيح للأهداف العقلية العالية.

هدف المجتمع الإسلامي هو توفير البيئة المناسبة للسعادة العقلية. و أشار العلامة الطباطبائي إلى أن شعار المجتمع الإسلامي هو اتباع الحق، بينما الحضارة الغربية هي فقط اتباع الأغلبية. و نتيجة لذلك، فإن المجتمع الإسلامي سيؤدي إلى السعادة العقلية الحقيقية، بينما الحضارة الغربية تركز فقط على المصلحة المادية.

سمات

تعليقك

You are replying to: .
captcha